لا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن
● عَنْ ثَوْبَانَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «اسْتَقِيمُوا، وَلَنْ تُحْصُوا، وَاعْلَمُوا أَنَّ خَيْرَ أَعْمَالِكُمُ الصَّلَاةَ، وَلَا يُحَافِظُ عَلَى الْوُضُوءِ إِلَّا مُؤْمِنٌ».
[صحيح: رواه ابن ماجَة، والطَّيَالِسِيُّ، وابن أبي شَيْبة، وأحمد، والدَّارِمِي، وابن حِبَّان، والحاكم، والبَيْهَقِي، والبَغَوِي].
______
● الاستقامة:
√ اتباع الحق، والقيام بالعدل، وملازمة المنهج المستقيم من الإتيان بجميع المأمورات والانتهاء عن جميع المناهي.
√ وذلك خَطْبٌ عظيم لا يطيقه إلا من استضاء قلبه بالأنوار القدسية، وتخلص من الظلمات الإنسية، وأيده الله تعالى من عنده، وقليلٌّ ما هم.
√ فأخبر بعد الأمر بذلك أنكم لا تقدرون على إيفاء حقه والبلوغ إلى غايته، بقوله: "ولن تحصوا"، أي: ولن تطيقوا.
● وأصل الإحصاء:
√ العدُّ والإحاطة به، لئلا يغفلوا عنه، فلا يتكلوا على ما يوفون به، ولا ييأسوا من رحمته فيما يذرون، عجزًا وقصورًا لا تقصيرًا.
√ وقيل: معناه: لن تحصوا ثوابه.
-------------------
√ أي: اسْتَقِيمُوا على الطريق الحُسنَى، وسددوا وقاربوا، فإنكم لن تطيقوا الإحاطة في الأعمال، ولا بد للمخلوق من تقصير وملال، وكأن القصد به تنبيه المكلف على رؤية التقصير وتحريضه على الجد، لئلا يتكل على عمله.
__________________
● "واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة":
√ أي: فإن لم تطيقوا ما أمرتم به من الاستقامة فحق عليكم أن تلزموا بعضها، وهو الصلاة الجامعة لكل عبادة، لِجَمْعِهَا الْعِبَادَاتِ؛ كَقِرَاءَةٍ، وَتَسْبِيحٍ، وَتَكْبِيرٍ، وَتَهْلِيلٍ، وَإِمْسَاكٍ عَنْ كَلَامِ الْبَشَرِ وَالْمُفْطِرَاتِ، هِيَ مِعْرَاجُ الْمُؤْمِنِ وَمُقَرِّبَتُهُ إِلَى اللَّهِ، فَالْزَمُوهَا، وَأَقِيمُوا حُدُودَهَا، سِيَّمَا مُقَدِّمَتُهَا الَّتِي هِيَ شَطْرُ الْإِيمَانِ، فَحَافِظُوا عَلَيْهَا، فَإِنَّهُ لَا يُحَافِظُ عَلَيْهَا إِلَّا مُؤْمِنٌ رَاسِخُ الْقَدَمِ فِي التَّقْوَى.
_________
● قوله: " ولا يُحافِظ على الوضوءِ إلَّا مؤمنٌ":
√ أراد به لا يحافظ على وضوئه ولا يصبر عليه إلَّا مؤمن كامل الإيمان، لثِقَلِهِ عليه في البرد وفي حين الشّغل.
√ ويحتمل أن يراد بالمحافظة: البقاء على الوضوء في دائم أحواله أو غالبها.
√ وإنما خص الوضوء لأنه خفي يقل مشاهدة فاعله، فلا يداوم عليه إلا من له تصديق بالله ورسوله، بخلاف الصلاة فإنه قد يحافظ عليها المنافق تظهيرا للإيمان؛ ليعدّ من أهله فيصان ماله ودمه، وينال مِن خيرات المسلمين.
_________
● وفي ذِكْر الصَّلاة إشارةٌ إلي تطهير الباطن {إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} [العنكبوت: 45].
● وفي ذِكْر الوضوء إشارةٌ إلي تطهير الظاهر، وإليه ينظر قوله تعالي: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} [البقرة: 222].
√ فإن الظاهر عنوان الباطن، فطهارة الظاهر دليل على طهارة الباطن سيما الوضوء على المكاره.
________
● الْوُضُوءِ ظَّاهِرِيّ بَاطِنِيّ:
√ فَلَا يُدِيمُ فِعْلَهُ فِي الْمَكَارِهِ وَغَيْرِهَا مُنَافِقٌ.
√ فَالظَّاهِرِيُّ: ظَاهِرٌ.
√ وَالْبَاطِنِيُّ: طَهَارَةُ السِّرِّ عَنِ الْأَغْيَارِ، وَالْمُحَافَظَةُ عَلَى الْمُجَاهَدَةِ الَّتِي يَكُونُ بِهَا تَارَةً غَالِبًا وَتَارَةً مَغْلُوبًا.
√ أَيْ لَنْ تُطِيقُوا الِاسْتِقَامَةَ فِي تَطْهِيرِ سِرِّكُمْ، وَلَكِنْ جَاهِدُوا فِي تَطْهِيرِهِ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى، كَتَطْهِيرِ الْحَدَثِ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى، فَأَنْتُمْ فِي الِاسْتِقَامَةِ بَيْنَ عَجْزِ الْبَشَرِيَّةِ، وَبَيْنَ الِاسْتِظْهَارِ بِالرُّبُوبِيَّةِ، فَتَكُونُونَ بَيْنَ رِعَايَةٍ وَإِهْمَالٍ، وَتَقْصِيرٍ وَإِكْمَالٍ، وَمُرَاقَبَةٍ وَإِغْفَالٍ، وَبَيْنَ جِدٍّ وَفُتُورٍ، كَمَا أَنَّكُمْ بَيْنَ حَدَثٍ وَطَهُورٍ.
√ وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ إِدَامَةِ الْوُضُوءِ وَتَجْدِيدِهِ إِنْ صَلَّى بِهِ لِأَنَّ تَجْدِيدَهُ مِنَ الْمُحَافَظَةِ الْكَامِلَةِ عَلَيْهِ.
________
● سر اقتران الوضوء بالإيمان:
√ تخيلوا معي رجلا كلما أَحْدَثَ توضأ.. إنه لا يزال على طهارة..
√ إن الوضوء يمحو ذنوبه من كل الأعضاء التي غسلها..
√ إنه يقوم بشحنها وإعادتها إلى سيرتها الأولى، سيرة الطهر والنقاء..
↙ والقاعدة أن الظاهر له تأثير بالغ في الباطن..
√ وبالتالي كلما توضأ وتطهر في أعضاء الظاهرة.. تأثرت نفسه وروحه وقلبه.. وانسكب فيها الطهر والنقاء.. وقوي الإيمان..
↙ هل مثل ذلك المحافظ على وضوئه يفعل منكرا أو يتجرأ على ذنب أو معصية؟!
√ اللهم لا..
√ إنه مُحَصَّنٌ بحصون قوية، ومُطَعَّمٌ بتطعيمات إيمانية عالية الجودة.. أكيدة المفعول..
_____
● الخلاصة:
↙ أطفئ نيران الشهوات بالمحافظة على الوضوء..
↙ حارب ثورة النفس وتمردها بمُسَكِّن الوضوء سريع المفعول..
د.شهاب أبوزهو