الأربعاء، 4 مارس 2020

استعمال المناديل فى الاستجمار

استعمال المناديل في الاستجمار؟
==================
الاستِجْمار : هو تطهيُر القُبُلِ أو الدُّبُرِ مِن البوْل أو الغائط بأحجار أو ما يقوم مقامها ، ومما يقوم مقامها المناديل ولكن يُشترط أن لا يقلَّ عن ثلاث مسحات ، وألاّ يكون مما نُهِيَ عن الاستجمار به كالرَّوث والعظام وما له حُرمة كالطعام ونحوه .

والاستجمارُ جائزٌ بالإجماع، ويجوز مع وجود الماء.
وشَرْطُه: ألا تتجاوز النجاسة المحل المعتاد.
ولا يجزئ على الصحيح الاستجمارُ بأقل من ثلاثة أحجار، أو ثلاث مسحاتٍ مما في معناها، في قول الجمهور، فإن أنقى بما دون الثلاث وجب عليه تكميل الثلاث مسحات، وإن لم ينق بالثلاث وجبَ عليه التكميلُ حتى يُنقيَ المحل، ويُستحبُ له أن يَقْطَع على وِتْر (3 أو 5 أو 7)، لما رواه أحمد بسند صحيح أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «إِذَا اسْتَجْمَرَ أَحَدُكُمْ، فَلْيَسْتَجْمِرْ ثَلَاثًا».
ولما رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه والدارمي وابن حبان بسند حَسَّنه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ اسْتَجْمَرَ فَلْيُوتِرْ، مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ أَحْسَنَ، وَمَنْ لَا فَلَا حَرَجَ»
والواجب بعد قضاء الحاجة هو إزالة ما على الموضع من نجاسة ، إما بالماء وهو أفضل وأكمل ، وإما بغير الماء مما يزيل النجاسة كورق التواليت أو القماش أو الأحجار أو غير ذلك.

قال الشيخ ابن عثيمين :
الإنسان إذا قضى حاجته لا يخلو من ثلاث حالات :
الأولى : أن يتطهر بالماء ، وهو جائز والدليل :
لحديث أنس رضي الله عنه قال : «كَانَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَدْخُلُ الْخَلَاءَ، فَأَحْمِلُ أَنَا، وَغُلَامٌ نَحْوِي، إِدَاوَةً مِنْ مَاءٍ، وَعَنَزَةً فَيَسْتَنْجِي بِالْمَاءِ» رواه البخاري (149) ومسلم (271). [الإدَاوَة: هي إناء من جلد. والعَنَزَةً: أي عصا طويلة في أسفلها زُجٌّ (قطعة من حديد)، ويقال: رُمْحٌ صغير].
وأما التعليل : فلأن الأصل في إزالة النجاسات إنما يكون بالماء ، فكما أنك تزيل النجاسة به عن رجلك ، فكذلك تزيلها بالماء إذا كانت من الخارج منك .

الثانية : أن يتطهر بالأحجار ، فالاستجمار بالأحجار مجزىء ، دلَّ على ذلك قول الرسول صلى الله عليه وسلم وفعله : أما قوله : فحديث سلمان رضي الله عنه قال : «لَقَدْ نَهَانَا رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -  أَنْ نَسْتَنْجِيَ بِأَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ» رواه مسلم (262) .
وأما فعله فكما في حديث ابن مسعود رضي الله عنه : أَتَى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الغَائِطَ فَأَمَرَنِي أَنْ آتِيَهُ بِثَلاَثَةِ أَحْجَارٍ، فَوَجَدْتُ حَجَرَيْنِ، وَالتَمَسْتُ الثَّالِثَ فَلَمْ أَجِدْهُ، فَأَخَذْتُ رَوْثَةً فَأَتَيْتُهُ بِهَا، فَأَخَذَ الحَجَرَيْنِ وَأَلْقَى الرَّوْثَةَ، وَقَالَ: «هَذَا رِكْسٌ» - رواه البخاري (155) .
وحديث أبي هريرة رضي الله عنه قَالَ: اتَّبَعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَخَرَجَ لِحَاجَتِهِ، فَكَانَ لاَ يَلْتَفِتُ، فَدَنَوْتُ مِنْهُ، فَقَالَ: «ابْغِنِي أَحْجَارًا أَسْتَنْفِضْ بِهَا وَلاَ تَأْتِنِي بِعَظْمٍ، وَلاَ رَوْثٍ، فَأَتَيْتُهُ بِأَحْجَارٍ بِطَرَفِ ثِيَابِي، فَوَضَعْتُهَا إِلَى جَنْبِهِ، وَأَعْرَضْتُ عَنْهُ، فَلَمَّا قَضَى أَتْبَعَهُ بِهِنَّ» - رواه البخاري (154) - فدل على جواز الاستجمار ...
(ابْغِنِي) اطلب لي. (أَسْتَنْفِضْ) أستنج وأنظف نفسي من الحدث وأصل النفض هز الشيء ليطير غباره والاستنفاض الاستخراج والاستبراء ويكنى به عن الاستنجاء. (رَوْثٍ) هو فضلات البهائم. (فَلَمَّا قَضَى أَتْبَعَهُ بِهِنَّ) فلما انتهى من حدثه استنجى بالأحجار.

الثالثة : أن يتطهر بالحَجَر ثم بالماء .
وهذا لا أعلمه وارداً عن النبي صلى الله عليه وسلم ، لكن من حيث المعنى لا شك أنه أكمل تطهيراً .
" الشرح المُمْتِع" (1 / 103 - 105) .

وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء : نستعمل في بريطانيا المناديل والأوراق في الاستنجاء في الحمامات فهل يجب استعمال الماء بعد استعمال المناديل أو لا؟
فأجابوا :
" الحمد لله وحده والصلاة والسلام على رسوله وآله وصحبه .. وبعد:
يجوز استعمال المناديل والأوراق ونحوهما في الاستجمار وتجزئ إذا أنقت ونظفت المحل من قبل أو دبر ، والأفضل أن يكون استعمال ما يستجمر به وترا ، ويجب ألا ينقص عن ثلاث مسحات ، ولا يجب استعمال الماء بعده، لكنه سنة . وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى .
"فتاوى اللجنة الدائمة" (5/125) .

وسئل الشيخ محمد الصالح العثيمين رحمه الله : هل يجزئ في الاستجمار استعمال المناديل؟
فأجاب :
"نعم ؛ يجزئ في الاستجمار استعمال المناديل ، ولا بأس به ، لأن المقصود من الاستجمار هو إزالة النجاسة سواء ذلك بالمناديل ، أو الخِرَق ، أو بالتراب ، أو بالأحجار ، إلا إنه لا يجوز أن يستجمر الإنسان بما نهى الشرع عنه ، مثل العظام والروث ، لأن العظام طعام الجن إذا كانت مُذَكَّاة [مذبوحة]، وإن كانت غير مذكاة فإنها نجسة ، والنجس لا يطهر.
وأما الرَّوث فإن كانت نجسة فهي نجسة لا تطهر ، وإن كانت طاهرة ، فهي طعام بهائم الجن ، لأن الجن الذين قدموا على النبي صلى الله عليه وسلم ، وآمنوا به ، أعطاهم ضيافة لا تنقطع إلى يوم القيامة ، قال : (لَكُمْ كُلُّ عَظْمٍ ذُكِر اسمُ الله عليه ، تَجِدُونَهُ أَوْفَرَ ما يكونُ لَحْمًا) وهذا من أمور الغيب التي لا تشاهد ، ولكن يجب علينا أن نؤمن بذلك ، كذلك هذه الأرواث تكون علفاً لبهائمهم" انتهى .
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (4/112) .

وخلاصة المسألة:
أنه لا يجب استعمال الماء لإزالة ما على المَخْرَج من نجاسة بعد قضاء الحاجة ، بل يجزئ إزالتها بالأحجار أو المنديل أو ما أشبه ذلك من الأشياء التي تزيل النجاسة.
ودليل ذلك : 
ما رواه أحمد (23627) عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (إِذَا ذَهَبَ أَحَدُكُمْ إِلَى الْغَائِطِ فَلْيَذْهَبْ مَعَهُ بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ فَلْيَسْتَطِبْ بِهَا فَإِنَّهَا تَجْزِي عَنْهُ). صححه الألباني في الإرواء (44). [الاسْتِطَابَة والإِطَابَة: كِنايةٌ عَنِ الاسْتِنْجاء. سُمِّي بِهَا مِنَ الطِّيب، لِأَنَّهُ يُطَيِّب جَسَده بِإِزَالَةِ مَا عَلَيْهِ مِنَ الخَبَث بالاسْتِنْجاء: أَيْ يُطَهِّره].
ونقل ابن قُدَامَة رحمه الله إجماع الصحابة على جواز الاقتصار على الأحجار وأنه لا يجب استعمال الماء. المغني (1/208) .

وقد أوجزت اللجنة الدائمة (5/107) الحكم كما يلي:
 (يجوز استعمال المناديل والأوراق ونحوهما في الاستجمار وتجزئ إذا أنقت ونظّفت المحل من قُبُل أو دبر ، والأفضل أن يكون ما يُستجمر به وتراً كثلاث أوراق أو ثلاثة أحجار ونحو ذلك، ويجب ألا ينقص عن ثلاث مسحات، ولا يجب استعمال الماء بعده ، ولكنه سُنَّة).
روى الترمذي (19) عَنْ عَائِشَةَ أنها قَالَتْ للنساء : مُرْنَ أَزْوَاجَكُنَّ أَنْ يَسْتَطِيبُوا بِالْمَاءِ فَإِنِّي أَسْتَحْيِيهِمْ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَفْعَلُهُ . صححه النووي في المجموع (2/101). قَالَ الترمذي رحمه الله بعد هذا الحديث : وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ يَخْتَارُونَ الاسْتِنْجَاءَ بِالْمَاءِ وَإِنْ كَانَ الاسْتِنْجَاءُ بِالْحِجَارَةِ يُجْزِئُ عِنْدَهُمْ فَإِنَّهُمْ اسْتَحَبُّوا الاسْتِنْجَاءَ بِالْمَاءِ وَرَأَوْهُ أَفْضَلَ. اهـ

تنبيهات:
- يجوز للمسلم إذا قضى حاجته أن يستجمر بالحجارة أو ما يقوم مقامها من المناديل والأوراق والأشياء الطاهرة المزيلة المنقية؛ ما لم تكن لها حرمة كالأوراق المكتوب عليها أو النقود.
- يجب استعمال الماء إذا انتشر البول أو الغائط وتجاوز محل المَخْرج، وقد اتفقت المذاهب الأربعة على عدم إجزاء الحجر في المجاوز عن المعتاد، وحَدَّهُ الشافعيةُ بما جَاوَز الحَشَفَة [رأس الذَكَر] في الذكر، والأَلْيَتَيْن في الدُّبُر، وهما ما يَنْضَمُّ عند القيام.
- أفضل صفة للاستنجاء أن تزال النجاسة بمزيل مثل الحجارة أو ما يقوم مقامها مثل المناديل ثم يغسل المحل بالماء.
- الأثر اليسير الذي يبقى في المحل  بعد الاستجمار والذي لا يزيله إلا الماء فإنه يُعفى عنه.
- مشروعية الاستجمار من مظاهر رحمة الله بعباده، ومن معالم هذه الشريعة الإسلامية الحَنِيفِيَة السّمْحة.
والله أعلم .

#مفاتيح_الفقه 7
د.شهاب ابوزهو

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

دعاء الصباح